النووي السعودي: خطوة نحو التنمية أم سباق تسلح إقليمي؟

فؤاد أبوهميلة :-

دبي – إبريل 2025

تتجه الأنظار إلى الاتفاق النووي الجاري التفاوض بشأنه بين المملكة العربية السعودية والولايات المتحدة، والذي يهدف رسميًا إلى تطوير برنامج نووي مدني سعودي. لكن خلف هذا العنوان، تكشف تفاصيل المشهد عن أبعاد استراتيجية أوسع ترتبط بالأمن الإقليمي، وسبل احتواء التهديدات الإيرانية، ومستقبل معادلة الردع في الشرق الأوسط.

اتفاق نووي مدني بطابع سياسي

أعلنت واشنطن مؤخراً عن تقدم ملموس في التفاهمات مع الرياض بشأن التعاون النووي.

وصرّح وزير الطاقة الأمريكي كريس رايت خلال زيارته للمملكة منتصف إبريل الجاري، أن الطرفين في طريقهما لتوقيع اتفاقية مبدئية، تتضمن التعاون في تطوير البنية التحتية للطاقة النووية السلمية.

لكن الوزير الأمريكي لم يخفِ وجود شرط أساسي ضمن المفاوضات، يتمثل في التزام السعودية باتفاقية “123”، التي تُلزم الدول بعدم تخصيب اليورانيوم أو إعادة معالجته محليًا، وهي نقطة خلافية سبق وأن أبدت المملكة تحفظها عليها.

السياق الإقليمي يفرض نفسه

تأتي هذه التحركات بالتزامن مع محاولات أمريكية لإعادة إحياء المفاوضات غير المباشرة مع إيران بخصوص برنامجها النووي، ومع تصاعد التوتر في المنطقة بسبب الحرب في غزة.

كما أن تصريحات ولي العهد السعودي محمد بن سلمان في 2018 لا تزال حاضرة في أذهان صناع القرار الأمريكي، حين أكد أن بلاده ستسعى لامتلاك سلاح نووي إذا حصلت إيران عليه.

وبينما تُعلن الرياض تمسكها بسلمية البرنامج، تشير تقارير إلى أن المملكة تمتلك بالفعل بنية تحتية أولية للبحث في التخصيب، وتعتمد على تكنولوجيا تشبه تلك التي استخدمتها إيران في مراحلها المبكرة.

العلاقة مع إسرائيل ضمن الحزمة

الملف النووي السعودي لا ينفصل كذلك عن ملف التطبيع مع إسرائيل.

فوفقاً لتقارير أمريكية، كانت الرياض قد طلبت ضمن حزمة التطبيع ضمانات أمنية أمريكية، وصفقات تسليح متقدمة، إلى جانب الدعم في المجال النووي.

لكن هذه الحزمة السياسية تجمدت منذ أواخر عام 2023، في أعقاب التصعيد العسكري في غزة، وازدياد الضغط العربي الشعبي الرافض لأي خطوات تطبيعية في الوقت الراهن.

تحديات أمام الولايات المتحدة

الولايات المتحدة من جهتها تواجه معضلة واضحة: فهي تسعى إلى دعم حليف استراتيجي في مواجهة إيران، وفي الوقت ذاته تخشى أن يؤدي هذا الدعم إلى تسريع سباق نووي إقليمي، خاصة إذا حصلت السعودية على استثناءات مشابهة لتلك التي حصلت عليها دول أخرى مثل الإمارات.

وعلى الرغم من أن الشركات الأمريكية لم تعد مهيمنة على سوق محطات الطاقة النووية المدنية، فإن واشنطن تراهن على تكنولوجيا المفاعلات الصغيرة (SMRs) كحل مستقبلي، يناسب احتياجات السعودية في تحلية المياه وتوليد الكهرباء.

لكن هذه التكنولوجيا ما زالت قيد التطوير، وقد لا تكون متاحة للاستخدام التجاري قبل نهاية هذا العقد أو بداية الثلاثينيات.

تقديرات مستقبلية المرحلة المقبلة ستتوقف على قدرة واشنطن والرياض على التوصل إلى صيغة تضمن المصالح المتبادلة دون الإخلال بالضمانات المتعلقة بعدم الانتشار.

وفي حال تم التوقيع على الاتفاق، سيُنظر إليه كخطوة سعودية جديدة نحو امتلاك أدوات نفوذ إقليمي أكثر تأثيراً.

أما في حال تعثره، فقد تتجه المملكة إلى شركاء بديلين مثل الصين أو كوريا الجنوبية، مما يفتح الباب أمام معادلات جيوسياسية أكثر تعقيداً.

خلاصة: الاتفاق النووي بين السعودية وأمريكا لا يتعلق فقط بإنتاج الطاقة، بل يمثل اختبارًا حقيقيًا للتوازن بين الشراكة الاستراتيجية والقيود التقنية والسياسية. نجاح هذا الاتفاق أو فشله سيكون له انعكاسات تتجاوز حدود البلدين، ويمتد تأثيره إلى مستقبل الأمن الإقليمي بأكمله.