ضربة استباقية؟ إسرائيل تخطط للهجوم… وإيران تتوعد

فؤاد أبوهميلة – دبي أبريل 2025

في الوقت الذي تُستأنف فيه المحادثات غير الرسمية بين الولايات المتحدة وإيران بشأن الملف النووي، تتصاعد في الكواليس تحذيرات وتحضيرات عسكرية تشير إلى احتمال أن تقدم إسرائيل على توجيه ضربة محدودة ضد منشآت إيران النووية.

هذه الخطوة، رغم ما تحمله من مخاطرة استراتيجية، تبدو أكثر جدية مما كانت عليه في السنوات الماضية، خاصة في ظل تعثر المسار الدبلوماسي وعودة بنيامين نتنياهو إلى رئاسة الحكومة الإسرائيلية.

فما حقيقة هذه التهديدات؟ وما دوافع إسرائيل؟ وكيف يبدو الموقف الأميركي؟ وما السيناريوهات المحتملة للتصعيد في الشرق الأوسط؟

أولاً: الدوافع الإسرائيلية – مزيج من الأمن والسياسة

على مدار عقود، اعتبرت إسرائيل أن امتلاك إيران لسلاح نووي هو تهديد وجودي مباشر.

ومع تصاعد عمليات تخصيب اليورانيوم في طهران لتصل إلى نسبة 60%، باتت تل أبيب ترى أن “نافذة الوقت” بدأت تُغلق أمام أي تحرك فاعل.

لكن خلف هذه الدوافع الأمنية، هناك أيضًا دوافع سياسية داخلية.

إذ يرى محللون أن نتنياهو، الذي يواجه تحديات سياسية وقضائية داخلية، يسعى إلى توحيد الجبهة الداخلية عبر خلق حالة تهديد خارجي.

وتاريخياً، استخدم رؤساء الحكومات في إسرائيل الملف الإيراني لتعزيز أوراقهم السياسية داخلياً.

ثانيًا: واشنطن في مفترق طرق بين الدبلوماسية والدعم العسكري

رغم العلاقات الوثيقة بين إسرائيل والولايات المتحدة، فإن المواقف تجاه إيران لا تسير دائمًا في اتجاه واحد.

فقد نقلت صحيفة نيويورك تايمز أن الرئيس الأميركي السابق دونالد ترمب أبلغ نتنياهو خلال لقاء في البيت الأبيض أن واشنطن تُفضّل إعطاء الأولوية للمسار الدبلوماسي، وليست مستعدة حاليًا لدعم ضربة عسكرية لإيران.

ومع ذلك، فإن التحفظ الأميركي لا يعني معارضة مطلقة.

بل إن السيناريو الأكثر ترجيحًا، وفق مصادر مطلعة، هو تنفيذ إسرائيل ضربة محدودة بدعم أميركي منخفض أو غير مباشر، يشمل تبادلًا استخباراتيًا وربما غطاءً دبلوماسيًا، دون تورط مباشر في العمليات العسكرية.

ثالثًا: إيران بين الضغط والردع

الرد الإيراني المحتمل هو أحد أهم عوامل الردع لأي ضربة إسرائيلية.

فطهران، وفق تصريحات مسؤول أمني كبير لوكالة “رويترز”، تملك معلومات استخباراتية عن التخطيط الإسرائيلي، وحذّرت من أن أي هجوم سيُقابل بـ”رد قاسٍ ومباشر”.

إيران تدرك أن إسرائيل تفضل الضربات الاستباقية، لكنها تراهن على أن أي تصعيد كبير قد يُشعل المنطقة بالكامل، ويحرج واشنطن أمام المجتمع الدولي.

من هنا، تعتمد طهران على ردع مزدوج: قدرات عسكرية مباشرة، وشبكة من الحلفاء والوكلاء في لبنان، العراق، وسوريا.

رابعًا: المسار الدبلوماسي بين التشكيك والتفاؤل الحذر

بالتوازي مع التصعيد، تنطلق اليوم في روما جولة ثانية من المحادثات غير الرسمية بين واشنطن وطهران، بعد جولة أولى في مسقط.

إلا أن التصريحات الإيرانية تحمل نبرة تشكيك واضحة.

إذ قال وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي إن لديه “شكوكًا جدية” في نيات الولايات المتحدة.

وفي المقابل، يحذر مدير الوكالة الدولية للطاقة الذرية، رافاييل غروسي، من أن الوقت ينفد.

فقد أصبحت إيران أقرب من أي وقت مضى إلى العتبة النووية، وهي الدولة الوحيدة غير الحائزة للسلاح النووي التي تخصب اليورانيوم بنسبة 60%.

خامسًا: السيناريوهات المحتملة

1. ضربة محدودة من إسرائيل دون تنسيق مباشر مع واشنطن يرجح بعض المحللين أن تُنفذ إسرائيل عملية سريعة ومحددة ضد منشآت بعينها، لتعطيل برنامج إيران النووي، دون نية لخوض حرب شاملة.

2. ضربة بموافقة أميركية ضمنية سيناريو يتضمن دعمًا استخباراتيًا وتنسيقًا محدودًا، لكنه يبقى مرهونًا بمدى تقدم المحادثات الدبلوماسية.

3. التصعيد الإقليمي الشامل في حال جاء الرد الإيراني قويًا أو استُهدفت منشآت استراتيجية، قد يمتد التصعيد إلى جبهات أخرى كجنوب لبنان، أو قواعد أميركية في العراق والخليج، مما يُهدد باندلاع حرب واسعة.

4. نجاح المسار الدبلوماسي رغم ضبابية المشهد، لا يُستبعد أن تُفضي المحادثات إلى اتفاق مؤقت يُخفف التوتر ويُمدد الوقت أمام الحل السياسي.

هل يقترب الشرق الأوسط من لحظة انفجار جديدة؟ تعكس التحركات الإسرائيلية والردود الإيرانية والتردد الأميركي حالة توازن هش وخطير في المنطقة.

فكل طرف يمسك بخيط دقيق: إسرائيل تلوّح بالهجوم، إيران تلوّح بالرد، وأميركا تُراهن على الدبلوماسية. وفي ظل هذه المعادلة، يبدو أن أي خطأ في الحسابات قد يُشعل مواجهة كبرى لا تُريدها الأطراف علنًا، لكنها قد تجد نفسها مضطرة إليها تحت ضغط الأحداث.

ويبقى السؤال الحاسم: هل تنجح السياسة في كبح جموح السلاح؟ أم أن الشرق الأوسط مُقبل على جولة جديدة من الانفجارات النووية الوشيكة؟